الإستشارة - المستشار : د. أميمة السيد
- القسم : الأطفال
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
125 - رقم الاستشارة : 2628
06/09/2025
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أنا أم لابن في الصف الرابع الابتدائي، يبلغ من العمر حوالي تسع سنوات. هو أصغر أولادي، وطفل نشيط وحيوي بطبعه، لكن في السنوات الأخيرة بدأ يتصرّف بطريقة مستفزة مع زملائه في المدرسة ومع معلميه ومع أخواته في البيت، وقد تكرر هذا السلوك حتى صار مصدر توتر وإحراج لنا كعائلة.
أمثلة على سلوكه: يقطع كلام المعلمة في الحصة ويضحك بطريقة تستهزئ بالموقف، يمازح زملاءه بلا حدود إلى أن يبكوا أو يغضبوا، يتعمد استفزاز أخواته بالكلام الجارح أو بسلوك يثيرهم حتى يصرخوا، وأحيانًا يخرج عن التعليمات في الفعاليات المدرسية فيتسبب في مواقف محرجة أمام أولياء الأمور.
أبلغتني المدرسة أكثر من مرة بأن سلوكه "استفزازي" ويتسبب في مشاكل داخل الفصل، وطلبت مني الحضور للاجتماع أكثر من مرة. الجيران وبعض الأقارب لاحظوا تصرفاته أيضًا ويقولون إن تصرفه يعكس نقصًا في التربية أو تساهلًا.
حاولت في البيت أن أعاقبه بالكلام أو بحرمانه من بعض الامتيازات، وأحيانًا أوبخه أمام إخوته ليتعلم الاحترام، لكن يبدو أن العقاب لا يغيّر السلوك طويلًا، بل أحيانًا يزيده عنادًا وتحديًا. أشعر بالحرج أمام المدرسة وأمام الأقارب، وأخشى أن يؤثر هذا على علاقاته الاجتماعية ومستقبله الدراسي. أخاف أيضًا أن يظل هذا النمط مع الوقت ويزداد تعقيدًا.
أنا لا أعرف إن كان وراء هذا السلوك أسباب نفسية أو بحثًا عن الانتباه أو تقليدًا لمصدر ما، وقد أفكّر أحيانًا إننا كأهل أخطأنا في أسلوب التعامل أو التفرقة بين الأولاد. أحتاج إلى توجيه واضح: ما هي الأسباب المحتملة لهذا السلوك؟ كيف أتصرف مع المدرسة والمعلمين؟ ما الطرق التربوية المناسبة لتعديل هذا السلوك في البيت والمدرسة؟ هل أحتاج لتقييم مختص (نفسي أو تربوي)؟ كيف أعيد بناء علاقة محترمة بينه وبين إخوته وزملائه دون إحراجه أو ضرب ثقته بنفسه؟ أرجو خطة عملية قابلة للتطبيق يوميًا وخطوات في لحظات الازعاج والمواقف الاجتماعية المدرسية. جزاكم الله خيرًا.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..
قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾.
وأنت أيتها الأم الفاضلة، بحرصك ووعيك في البحث عن الحلول بدلًا من الاكتفاء بالشكوى، قد وضعتِ قدمك على أول الطريق لبداية الإصلاح إن شاء الله تعالى.
إثبات الذات
أولًا: ما تصفينه من سلوكيات "استفزازية" عند ابنك الأصغر هو صورة شائعة عند بعض الأطفال في مثل سنه (9–10 سنوات)، حيث تزداد لديهم الحاجة إلى إثبات الذات Self-Assertion، والرغبة في لفت الانتباه، خصوصًا إذا شعر الطفل أنه الأصغر مكانة بين إخوته، أو أن الآخرين يسبقونه بالنضج والمسؤوليات. هذه السلوكيات لا تعني بالضرورة سوء تربية أو انحرافًا سلوكيًّا، بل قد تكون مؤشرًا للحاجة للاعتراف Need for Recognition، لكن بطريقة خاطئة.
ثانيًا: من منظور علم النفس التربوى، يظهر هذا النمط أحيانًا كنوع من السلوك المعارض Oppositional Behavior أو السلوك الباحث عن الانتباه Attention-Seeking Behavior، وهو ليس مرضًا نفسيًّا، بل استجابة لتفاعلات البيئة المحيطة. الطفل يريد أن يُسمع صوته، حتى لو عبر استفزاز الآخرين.
لا للتوبيخ والعقاب اللفظي
ثالثًا: انتبهي أختي، العقاب اللفظي أو التوبيخ أمام الآخرين – كما ذكرتِ – يزيد المشكلة تعقيدًا، لأنه قد يرسّخ في نفسه صورة "المشاغب" التي يلعب دورها كلما وجد نفسه في موقف اجتماعي. حيث إنه في التربية يُسمى ذلك وصم الدور Role Labeling؛ حيث يتبنى الطفل الدور الذي ينسبه له الآخرون.
خطوات عملية للعلاج
رابعًا: أوصيكِ بالخطوات العملية التالية:
1- الاحتواء والحوار:
اجلسي معه منفردًا، واطلبي منه أن يصف مشاعره عندما يمازح الآخرين أو يستفزهم. غالبًا سيعبر عن حاجته إلى الضحك أو لفت النظر. وهنا فالاستماع له دون مقاطعة يعزز لديه التنظيم الانفعالي Emotional Regulation.
2- لا بد من التعزيز الإيجابي Positive Reinforcement:
كلما بدر منه سلوك مهذب أو تعاوني، مدحته فورًا وامتنعت عن التركيز المستمر على السلبي فقط. فالمدح الموجّه يصنع التكرار السلوكي Behavior Repetition أكثر من العقاب.
3- اعملي على تحديد القواعد الأسرية والمدرسية بوضوح:
اجعليه يشارك في وضع "قواعد البيت" أو "قواعد الفصل" مع معلميه، فهذا يرسخ مفهوم المسؤولية المشتركة Shared Responsibility، ويقلل من المقاومة والعناد.
4- النمذجة السلوكية Modeling:
أظهروا أمامه كيف يتعامل الكبار مع المواقف المزعجة بهدوء وضبط نفس، فهو يتعلم بالمشاهدة أكثر من التعليم المباشر.
5- أعطوه الفرص الإيجابية للفت الانتباه:
امنحوه أدوارًا قيادية بسيطة، مثل مساعدة الأم في بعض شؤون البيت أو تكليفه بمسؤولية صغيرة في الفصل، فذلك يشبع حاجته الطبيعية للظهور بطريقة صحية، بدلًا من السلوك المستفز.
6- ضرورة التعاون مع المدرسة:
من المهم أن تتواصلي مع المعلمين ليطبقوا نفس الأسلوب (التعزيز بدلًا من التوبيخ)؛ فالاتساق بين البيت والمدرسة أساس في العلاج السلوكي التربوي Behavioral Educational Intervention.
7- الدعم لتنمية الجانب الإيماني:
علّميه أن احترام الآخرين وكف الأذي عنهم هو خُلق إسلامي أصيل، قال رسول الله ﷺ: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده»، اربطي السلوك بثواب الآخرة لا بالعقاب في الدنيا فقط.
خامسًا: إذا استمر السلوك بدرجة مبالغ فيها، أو صاحبه مشكلات أخرى مثل العدوانية أو ضعف التحصيل الدراسي، فيُستحسن مراجعة مختص نفسي تربوي لإجراء تقييم شامل، يحدد إن كان هناك أسباب أعمق، مثل صعوبات الانتباه أو فرط الحركة.
وأخيرًا، أوصيكِ أختاه بالصبر واللين، فقد قال ﷺ: "إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله"، والتوازن بين الحزم والرفق هو المفتاح.
* وهمسة أخيرة:
تذكري أن ابنك ما زال في طور التشكيل، وأن اهتمامك به في هذه المرحلة كفيل بأن يحوّل استفزازه اليومي إلى طاقة قيادية إيجابية غدًا بإذن الله تعالى.