الإستشارة - المستشار : د. أميمة السيد
- القسم : الأطفال
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
199 - رقم الاستشارة : 2206
29/07/2025
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا أم لطفلين، أحدهما في السابعة من عمره، والآخر في الرابعة. أعاني من مشكلة تربوية تؤرقني كثيرًا، وأحتاج لمشورتكِ يا دكتورة.
زوجي –رغم حبه الشديد للأبناء– يدللهم بطريقة أراها مبالغًا فيها. فهو يُلبي جميع طلباتهم على الفور، مهما كانت غير منطقية أو غير مناسبة لسنّهم أو إمكانياتنا، ولا يقول لهم "لا" تقريبًا في أي شيء.
مثلاً، إن طلب أحدهما لعبة جديدة، يشتريها له في نفس اليوم، وإن رفضتُ أنا ذلك لأسباب تربوية أو مادية، يُظهِر لهم أنني قاسية أو معقدة. كذلك إن بكى أحدهم أو غضب، يُسرع لاحتضانه وتقديم ما يريد حتى يهدأ، دون أي نقاش أو توجيه.
بدأت ألاحظ سلوكيات مقلقة:
أصبح الطفلان لا يتحملان كلمة "لا".
يرفضان تأجيل رغباتهم، ويُصِرّان على تنفيذ كل ما يريدانه في اللحظة نفسها.
أحدهما أصبح عنيدًا جدًا، ويُهدد بالبكاء أو كسر الأشياء إن لم يحصل على ما يريد.
بل بدآ يُقللان من احترامي أحيانًا لأنني لا أستجيب لهما كما يفعل والدهما.
أنا أشعر أن هذا النمط من التربية خاطئ، وقد يؤدي إلى أن يُصبحا طفلين أنانيين، غير صبورين، ولا يعرفان الحدود.
أحاول كثيرًا التحدث مع زوجي، لكنه يقول لي: "دعينا نفرح بهم، ما المانع؟ نحن نحرمهم من ماذا؟"، ويعتبر أني متشددة، رغم أني أقرأ كثيرًا في التربية وأخشى عليهم مستقبلًا.
فكيف أتصرف؟
كيف أقنع زوجي بأثر هذا الدلال الزائد؟
وكيف أوازن بين الحب والحدود في تربية الأبناء دون أن يشعروا بالحرمان أو القسوة؟
وهل يمكن إصلاح هذا الأسلوب قبل أن يعتادوا عليه تمامًا؟
أرجو توجيهكِ التربوي، ولكِ كل الشكر والتقدير.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أيتها الأم الواعية الرحيمة، لقد تحمّلتِ مسؤولية التربية بصدق وحرص، فلكِ مني خالص التقدير والاحترام.
لقد قرأتُ رسالتك بعين العقل وقلب الأم، ووجدتُ فيها نضجًا واضحًا ووعيًا تربويًّا عاليًا، فأبشري.. فإن من شُكر الله على الأبناء حسن تأديبهم لا مجرد إسعادهم.
وأود أن أتناول استشارتك في محاور ثلاث:
أولًا: الدلال الزائد لا يُنتج السعادة بل يُربّي العجز النفسي..
ما يفعلُه زوجك –رغم نيّته الطيبة– يدخل ضمن ما يُسمّيه علم النفس التربوي بـ "التساهل المفرط في التنشئة" (Permissive Parenting)، وهو نمط تربوي يتميز بـ:
- تلبية كل الطلبات دون حدود.
- عدم وضع قوانين واضحة للسلوك.
- تجنّب قول "لا" حتى لا يُغضب الطفل.
وقد أثبتت الأبحاث التربوية أن هذا النمط يؤدي إلى:
1- ضعف في تحمل الإحباط.
2- انخفاض مهارات التحكم بالذات.
3- أنانية وتحدٍّ للسلطة لاحقًا.
4- مشاكل في الانضباط الذاتي والسلوك الاجتماعي لاحقًا.
وهذا يتوافق تمامًا مع ما ذكرتِه أنت من مظاهر عناد، ضعف تقدير لسلطة الأم، ونفور من التأخير أو الرفض.
ثانيًا: لماذا يتساهل بعض الآباء مع الأبناء؟ (وهنا نريد الفهم لا اللوم)
زوجك -يا عزيزتي– كغيره من الآباء المحبين قد يكون واقعًا في أحد هذه الدوافع اللاشعورية:
- تعويض ما فاته من طفولته: ربما لم ينل هو ما يريده في صغره، فيُفرط في العطاء لأطفاله.
2- وربما الخوف من الرفض العاطفي من أبنائه: فيظن أن "لا" تُبعد الطفل عنه أو تجعله يكره الأب.
3- الرغبة في رؤية السعادة الفورية: فيمنح كل شيء لينال ابتسامة الطفل، دون التفكير في الأثر التربوي بعيد المدى.
* وهنا لا نلومه، بل نُبصّره بلغة هادئة واقعية تقول: "أنت تمنحهم ما يحبونه الآن، ولكننا نريد أن نمنحهم ما يُصلحهم في المستقبل".
ثالثًا: تسألينني أيضًا عن كيف تتعاملين مع هذا الموقف؟
* فإليك غاليتي خطة تربوية ناعمة وفعالة بإذن الله تعالى:
1- اعملي على توحيد الجبهة التربوية:
بمعنى أن التربية الناجحة تحتاج إلى "الائتلاف لا الاختلاف بين الوالدين"، وإلا حدث ما يسمى "التضاد التربوي" (Parental Inconsistency)، وهو من أخطر أسباب اضطراب السلوك لدى الطفل.
* ولتفعيل ذلك بأسلوب سليم..
اجلسي مع زوجك في لحظة صفاء، لا وقت نقاش الغضب، وقولي له: "أحب أنهم يجدون فيك الأمان والسعادة، ولكن هل تسمح لي أن أشاركك مسؤولية وضع حدود واضحة تُربيهم على الصبر والنظام؟".
2- يجب عليكما كوالدين تنظيم الاستجابات لا منع العطاء:
فغالبًا ليس الخطأ في العطاء ذاته، بل في العطاء غير المشروط والفوري. عوّديهم على ما يُعرف تربويًّا بـ "تأجيل الإشباع" (Delayed Gratification)، وهو من أهم مهارات النجاح النفسي والاجتماعي.
وهذا أيضًا يحتاج إلى تطبيقه بشكل سليم.. كيف؟:
مثلا: "نشتري اللعبة الأسبوع القادم كمكافأة للهدوء".
"اليوم لن تحصل على الحلوى لأنك لم تلتزم"... وهكذا.
3- إظهار الحب المشروط بالسلوك الحسن:
فالمحب الصادق هو من يُعلّم، لا من يُرضي فقط. قال رسول الله ﷺ: "مُروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع"... لم يقل: "دلّلوهم"، بل: "مُروهم"، أي توجيه وإعداد.
4- يمكنكما أيضًا استخدام أسلوب القصص والرموز:
أخبريهم بقصة عن طفل أناني لم يكن يسمع "لا" أبدًا، وماذا حدث له لاحقًا.. (على أن تكون القصة مناسبة لشخصيتهم وبيئتكم ولضمان تقبلها واستيعابها).
* همسة أخيرة للأم التربوية الحانية:
لا تيأسي من الإصلاح، فالأطفال يتعلمون، والآباء ينضجون، والأمهات الحكيمات مثلك يُغيّرن الواقع بإذن الله. لا تطفئي نور حزمك بحجّة أن الحب كافٍ، بل اجمعي بين اللين والحزم.
رزقك الله برًّا في أبنائك، وهدًى في زوجك، وسكينة في بيتك.