Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. عادل عبد الله هندي
  • القسم : مناهج الدعوة ووسائلها
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 28
  • رقم الاستشارة : 2127
17/07/2025

أبي رجل كبير في السن، تجاوز الثمانين من عمره، لكنه يؤذي أمي بالكلمات السيئة، ولم يعد محافظًا على الصلاة، كما يؤذيني أنا وأخواتي كثيرًا، ويعاملنا بقسوة حتى صار كالكابوس في حياتنا، وأحيانًا نشعر بأننا نتمنى وفاته هروبًا من معاناتنا معه. فهل نأثم على ما نجده في نفوسنا؟ وكيف نتعامل معه دينيًّا وإنسانيًّا ودعويًّا؟ نرجو الإجابة الشاملة المطمئنة.

الإجابة 17/07/2025

أيتها الابنة الكريمة المباركة، أعلم كم في كلماتك من حزن دفين، ومن وجع قديم متجدد، كلماتك ليست حروفًا مكتوبة، بل هي أنين قلب صابر، ودمع عين محتسب، وهمّ بيتٍ أثقله الزمان والتعامل الصعب.

 

أُحَيِّي فيك حرصك على سؤال أهل العلم رغم ما تعيشينه، وأبشّرك أن الله يرى دمعتك ويعلم ضيقك، ولن يضيع لكِ سعيًا ولا صبرًا، فإنما الصبر عند البلاء هو طريق الأنبياء والأولياء. وإليك بعض التفاصيل، التي يمكن أن تساعدك في حلّ هذا الأمر، ونسأل الله تعالى أن يُصلح شأنكم وأن يبارك مسعاكم جميعًا.

 

أولًا: هل لكم إثم في ضيقكم وشعوركم؟

 

الجواب باختصار:

 

ما كان من الشعور الطبيعي غير المتعمد فهو معفوّ عنه، أما الدعاء عليه أو تمني موته عن قصد أو سبّه، فهذا مما يُخشـى منه الإثم؛ فعن النبي ﷺ: "إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها، ما لم تعمل أو تتكلم به"؛  فالخواطر التي تهاجم القلب من ضيق أو تمنٍّ للموت لا يُؤاخذ العبد بها ما لم يتلفّظ بها أو يتعمّدها بقلبه. لكن الواجب أن نستعيذ بالله منها، ونحوّلها إلى دعاء بالهداية والصلاح له ولنا.

 

ثانيًا: ماذا تفعلون مع هذا الأب المؤذي؟

 

أولًا، فلنعلم أن الله أمر ببرّ الوالدين ولو كانا ظالمين، بل ولو كانا كافرين، قال تعالى: ﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾، وهذا الأب، رغم إساءته، لا يُمنع من حقوق البر، لكنه يُنكر عليه الإثم بلطف، وتُسدّ عنه أبواب الأذى قدر الطاقة، وتُرفع حالته إلى أهل الاختصاص من طب نفسي إن كان الخرف أو الزهايمر أو الاكتئاب سببًا في سلوكه.

 

ثالثًا: موقفكم كأبناء بين البر المشروع وحدود الأذى المرفوض

 

1) لا يجوز لكم ردّ الإيذاء بالإيذاء، أو الدعاء عليه بالهلاك أو الموت. قال الله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} (الإسراء: 23).

 

2) يجوز لكم دفع أذاه عن أنفسكم بأدبٍ ورفق، ولو بوسائل وقائية.

 

3) يجوز لكم التواصل مع جهات إصلاحية (إمام المسجد، كبير العائلة، طبيب نفسي)، لعرض حالته وتخفيف حدّته.

 

4) عليكم بالدعاء له بالصلاح والهداية، قال النبي ﷺ: "ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد لولده"، فإن كان هذا لأجل الولد، فما بالكم لو دعوتم له، واحتسبتم أذاه؟

 

رابعًا: إن خفّفتم عن أمكم فلكم في ذلك أجرٌ مضاعف

 

أُمّكم التي تعاني هذا البلاء، تستحق منكم جبر الخاطر، فإن عجزتم عن إصلاح الأب، فلا تعجزوا عن إسعاد الأم، والوقوف معها، ودعمها نفسيًّا وعاطفيًّا وماديًّا. قال رسول الله ﷺ: "أحبّ الأعمال إلى الله سرور تُدخله على مسلم".

 

خامسًا: هل من خطوات عملية ننصحكم بها؟

 

1) اجعلوا لكم وردًا من الدعاء له في كل يوم، خاصة عند السحر، وادعوا له بقولكم: "اللهم اشرح صدر والدنا، وأصلح قلبه، وردّه إليك ردًّا جميلا".

 

2) إذا آذاكم لفظًا، فلا تردّوا الإساءة، بل اصمتوا أو انسحبوا بأدب.

 

3) ابحثوا عن الجوانب المضيئة فيه (ولو من الماضي)، وذكّروا أنفسكم بها.

 

4) احتسبوا ذلك بابًا للبر عند الكبر، فإن أجره عظيم عند الله.

 

5) إن اقتضى الحال، استعينوا بطبيب نفسي مختص لكبار السن؛ فقد تكون حالته مرضية.

 

6) تابعوا والدكم مع إمام المسجد أو أحد كبار العائلة ممن يحترمه ويؤثر فيه ويثق به؛ ليأخذ بيده للعودة إلى الصلاة، ويخفف من سوء سلوكه.

 

سادسًا: لكِ – أيتها الابنة – كلمات من القلب

 

اعلمي أن صبرك على والدك قد يكون سببًا في رفع درجاتك في الجنة، وتكفير ذنوبك، ومضاعفة أجرك، وأن الله لا يضيع منكم معروفًا، وإن كان والدكم قد أساء فالله لا يسيء أبدًا ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾، والله يعلم كم جاهدتم، وكم بكيتم، وكم صبرتم، وهو أحنّ عليكم من والدكم؛ فاستودعوا أمركم عنده، واستبشروا فإن الفرج قريب.

 

وفي الختام، يا صاحبة القلب الطيب، لا تيأسي من رحمة الله، ولا تتركي الضيق يتملكك؛ فكل دمعة تصبرين عليها، يرفعك الله بها درجة، وكل لحظة تحتسبين فيها الأذى، تكتب لك عند الله زادًا ليومٍ تكونين فيه أحوج ما تكونين. ثبتكِ الله، وربط على قلبك، وجعل لك من كل همٍّ فرجًا، ومن كل ضيقٍ مخرجًا، ومن كل بلاء عافية.

الرابط المختصر :