الإستشارة - المستشار : د. عادل عبد الله هندي
- القسم : مناهج الدعوة ووسائلها
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
67 - رقم الاستشارة : 2073
25/05/2025
أنا فتاة شابة في الجامعة، لي صديقة مقربة، طيبة القلب، نشأت في بيتٍ متدينٍ ملتزم، لكنها تُصر على بعض الذنوب والمعاصي، ولا تنوي التوبة منها رغم معرفتها بخطورتها، وأنا أرجو لها الهداية وأحب لها الخير، فماذا ينبغي عليّ أن أفعله تجاهها دينياً وإنسانياً؟ كيف أؤثر فيها دون أن أنفرها؟ وهل من منهج شرعي سديد أتبعه؟ دلوني، بارك الله فيكم.
الحمد لله والصلاة والسلام على سيد الدعاة وإمام الهداة، وبعد:
فيا زهرةً تتفتح في بستان الدعوة، ويا من شغف قلبُها برحمةٍ تُهدي القلوب التائهة... أحييك على صدق مشاعرك، وحرصك النبيل على صديقةٍ لم تُطفئ النور في قلبها، لكنها تخبّطت في طريقٍ به من الظلمة ما يحتاج إلى بصيص من دفء الحب والرحمة... وما أحوجنا اليوم إلى قلوبٍ تحنو، لا أفواه تُدين، وإلى أيدٍ تمتدّ للانتشال، لا أصابع تشير بالاتهام، واسمحي لي أن أصوغ ردي في نقاط محددة على النحو التالي:
أولًا: مقامك عند الله بهذا الحرص:
اعلمي -أيتها المباركة- أن حرصك على هداية صديقتك، مقام عظيم عند الله تعالى، فقد قال رسول الله ﷺ: "لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا، خيرٌ لك من حُمر النعم"، فتخيلي! مجرد كونك سببًا للهداية، أعظم أجرًا من أعز متاع العرب في زمانهم، فكيف إذا كانت هذه المهتدية صديقةً قريبة إلى قلبك؟!
ثانيًا: ما يجب عليك فعله دينيًّا وإنسانيًّا:
1) الصدق في الدعاء: الدعوة القلبية هي أول الطريق، فقد قال الله تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾، فأكثري من الدعاء لها في سجودك، في جوف الليل، في مواطن الإجابة، بأن يشرح الله صدرها، ويبدل ما بها من غفلة إلى يقظة.
2) المحبة بلا شروط: حبك لها يجب أن يكون ثابتًا لا يتأثر بذنوبها، لتعلم أنك تحبينها لله، لا لمجرد صلاحها الظاهري. فالنبي ﷺ لما جاءه الشاب يستأذنه في الزنا لم يطرده، بل قرّبه وقال له برفق: "أتحبه لأمك؟ أتحبه لابنتك؟"، ثم وضع يده على صدره وقال: "اللهم طهر قلبه، واغفر ذنبه، وحصّن فرجه"، وهذا أبلغ منهج في الإصلاح: الحنان لا القسوة، والقرب لا الهجر.
3) الاستمرار في الصحبة الصالحة: لا تتركيها، بل كوني النور القريب منها. قال رسول الله ﷺ: "المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يُخالل"، فاجعليها ترى فيك القدوة، لا الواعظة فقط. ليكن كلامك رقيقًا، وتعليقك على المعصية بالحكمة لا باللوم.
4) التدرج في الإنكار، وهذا عين الحكمة التي أمر الله بها في قوله الحكيم: ﴿ادْعُ إِلِىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾، فلا تُنكري عليها كل شيء دفعة واحدة، بل ابدئي بالأخطر فالأقل خطرًا، وابدئي بالتعريف بعظمة الله، لا بالتخويف من العقوبة مباشرة. فلو أحبّت الله حقًّا، هان عليها ترك المعصية.
5) توظيف الوسائل الحديثة والأساليب المعاصرة، ويمكنك القيام بذلك من خلال الآتي:
* أرسلي لها مقاطع صوتية أو مرئية مؤثرة.
* شاركيها مقالات أو قصص توبة واقعية.
* إن استطعتِ، فادعيها لحلقة علم أو مجلس ذكر أو درس في المسجد، بطريقة لينة.
ثالثًا: وصايا ختامية لكِ:
1) لا تيأسي أبدًا؛ فالهداية بيد الله وحده، ومهمتك هي البلاغ بالحكمة لا الهداية القسرية.
2) لا تنقلي مشاعر التوتر أو الإحباط إليها؛ كوني مبتسمة وحنونة ومتفائلة دومًا.
3) لا تقارنيها بغيرها؛ فهذا يولّد في النفس حرجًا وربما عنادًا.
4) ذكّريها بنعم الله عليها؛ فالقلوب تهتز بالشكر أكثر مما تهتز بالتخويف أحيانًا.
5) اجعلي العلاقة بالله شخصية؛ فحين تربطينها بالله مباشرة، تثمر العلاقة ثباتًا وصدقًا.
وفي الختام…
كوني لها نبعَ طمأنينة، فإنك لا تعلمين كم تؤلمها ذنوبها في خلوتها، وكم تحتاج إلى قلبٍ يحتوي ضعفها قبل أن يُطالبها بالقوة... ولعلكِ تكونين "السبب" الذي كانت تنتظره لتعود... وتذكري قول المولى الكريم عن نبيه الرحيم: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْ﴾ والله أعلم، وهو الهادي إلى سواء السبيل.