Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. عادل عبد الله هندي
  • القسم : مناهج الدعوة ووسائلها
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 23
  • رقم الاستشارة : 2132
19/07/2025

ابتليتُ -كداعية في أحد المجتمعات الغربية- برجلٍ مسلم يملأ مجالس الدعوة والحديث بتكفير المجتمعات من حوله: يكفّر الغرب لكونه غير مسلم، ثم يكفّر المسلمين في هذا الغرب، بدعوى أنهم يوالونه أو يتعاملون معه، ولا يتوقف عن إصدار الأحكام دون علمٍ راسخ، أو نظرٍ شرعي، أو ميزانٍ حكيم. وهو لا يقبل نصيحةً، بل يرى نفسه على صراط مستقيم، ومن سواه على ضلالة أو كفر. فكيف أنصحه؟ وكيف أذكّره بخطورة ما يدعو إليه ويروّجه؟

الإجابة 19/07/2025

أخي المبارك، سلام الله عليك ورحمة منه وبركاته، لقد صدقتَ حين وصفتها بـ "البلوى"؛ فإن أعظم البلاء أن يُبتلى الداعية بمن ينقض غزل الدعوة، أو ينفّر الناس عنها، أو يسلك بها مسلكًا مائلاً يُغضب رب الأرض والسماء. وإن مما يطمئن القلب أن الله اصطفاك لتكون في مقام النُصح والإصلاح، في زمن اشتدت فيه رياح الغلو، وغابت فيه شمس التثبت والعدل.

 

وما دعوتك لهذا المستغلق في طريق التكفير إلا باب نجاة له، وأجر عظيم لك، إن شاء الله. ولذا اسمح لي أن أقدم لك ولدعاتنا في البلاد الغربية، ممن ابتلاهم الله بأصحاب هذا الفكر، وضاقت نفوسهم، أقدم لكم هذه الرسائل المهمة، وبيانها على النحو التالي:

 

أولًا: التكفير حقٌّ لله وحده وضوابطه من الدين

 

إنَّ التكفير -كما تقرره النصوص وأقوال العلماء- حكمٌ شرعي محض، لا يُناط بالعاطفة، ولا يستسهل بالهوى، ولا يصدر إلا عن عالمٍ راسخٍ، تقيٍّ ورِعٍ، بعد إقامة الحجة وبيان المحجة، وعقيدة أهل السُّنة والجماعة، على أنه لا يُكفّر من أقر بالشهادتين ولو أذنب وعصى، هذا بالنسبة للمسلمين، ويقول بعض أهل السنة والجماعة: "وليس لأحدٍ أن يكفِّر أحدًا من المسلمين، وإن أخطأ وغلط، حتى تُقام عليه الحجة، وتُبيَّن له المحجة".

 

ثانيًا: القرآن الكريم يحذّر من التسرع في التكفير والتفسيق

 

قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ (النساء: 94)، وقد نزلت هذه الآية في رجل من الكفار أظهر السلام، فظنه بعض الصحابة متسترًا، فقتله… فعاتبهم الله -وهم صحابة مجاهدون- على استعجالهم، فكيف بمن يتكئ على فتات العلم، ويكفّر بالجملة دون بيّنة؟!

 

ثالثًا: النبي يحذّر من التكفير بلا علم

 

فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: "أيّما رجل قال لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما"، وهذا تحذير شديد: من كفّر مسلمًا بلا حق، رجعت التهمة عليه، ووقع في ورطة عظيمة عند الله.

 

رابعًا: منهج أهل السنة والجماعة في التعامل مع قضية التكفير

 

أهل السنة يقررون:

 

* أن الكفر كفران: كفر أكبر مخرج من الملة، وكفر أصغر لا يخرج.

 

* وأن ليس كل من وقع في الكفر وقع الكفر عليه، حتى تقوم عليه الحجة، وتنتفي الشبهة.

 

* وأن الأصل في المسلم بقاء إسلامه، ولا يُخرج منه إلا بيقينٍ واضحٍ كالشمس. قال الإمام النووي رحمه الله: "واعلم أن مذهب أهل الحق أنه لا يُكفَّر أحدٌ من أهل القبلة بذنب، ولا يُكفَّر أهل الأهواء والبدع، بل يُفسَّقون"، وهذا بعكس ما وقعت فيه الخوارج وأذنابها تاريخيًّا.

 

خامسًا: بيئة الغرب لا تغيّر أحكام الإسلام لكنها تستدعي فقهًا خاصًّا

 

فالوجود في المجتمعات غير المسلمة لا يعني توليهم، ولا مسايرتهم في باطلهم، لكنه لا يمنع من التعامل، والمعايشة، والتعاون في الخير، والدعوة بالحكمة، قال الله تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمْ يُقَـٰتِلُوكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَـٰرِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوٓاْ إِلَيْهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ﴾؛ فالبر والعدل مطلوبان مع غير المسلم إن لم يكن محاربًا، فكيف يُكفَّر من يتعامل معهم بهذا الفهم القرآني؟! وإني لأتعجّب فيمن يحرّم التعامل مع غير المسلمين، وهو يعيش في بلادهم ويستمتع بخيراتها، فليتق الله!

 

سادسًا: كيف تنصحه وتُحسن خطابه؟

 

* ابدأ بقلبه لا بعقله، فاقترب منه لا كمُحاور، بل كمُحبّ يريد له النجاة، وأخبره أنك تخاف عليه من أن يقع فيما نهى الله عنه، وأنك ترجوه أن يتأمل لا أن يجادل فقط.

 

* أطلعه على أقوال العلماء الراسخين، إن كان يحب العلم وأهله، ولا يتبجح على أهل العلم، وليراجع ما قاله العلماء القدامى والمعاصرون خاصة ما يبيّن أن التعامل مع الغرب لا يساوي الموالاة، ولا الكفر، ولا حتى البدعة.

 

* قدّم له نماذج الصحابة في التعامل مع غير المسلمين؛ فالنبي ﷺ مات ودرعه مرهونة عند يهودي! وكان الصحابة يتاجرون ويخالطون أهل الكتاب، ولم يُنكَر ذلك عليهم.

 

* بيّن له أن هذا الفهم يُنفّر الناس عن الدين، وقل له: "من سيرغب في الإسلام إن كان كل من أسلم متهمًا، وكل من عاش في غير أرض الإسلام كافرًا؟! وهل هذا هو دين الرحمة والحكمة؟!".

 

* استعن عليه بصاحب حَكيم يُقدّره، إذا كان له شيخ يحترمه، أو طالب علم مقبول عنده، فرتب له لقاء، أو أرسل له رسالة غير مباشرة.

 

سابعًا: توصيات مهمة

 

- ادعُ له في السجود، فلعل الله يشرح صدره.

 

- لا تقاطعه، فإن المقاطعة قد تزيده عنادًا.

 

- زوّده بمقاطع مرئية معتدلة تُظهر محاسن الإسلام في التعايش والدعوة.

 

- احذر من الدخول معه في جدال أمام الناس؛ فذلك قد يحوّله إلى متصلب متعنت.

 

وختامًا…

 

أيّها الهُمام، من مثلك من الدعاة يُغبط على بصيرته، ويُرجى منه أن يكون مصباحًا في ظلمة الأفكار المنحرفة، فاصبر، واحتسب، وادع، وانصح، واصنع من لِينك وقلبك سبيلًا إلى قلوب تائهة تبحث عن النور، ولعل هذا الرجل يكون بدعوتك من الدعاة الرحماء لا من الغلاة القساة.

 

ثبتك الله وسددك، وجعل على يديك هدى للحيارى، وأمانًا من فتن الزيغ والضلال.

الرابط المختصر :