الإستشارة - المستشار : أ. مصطفى عاشور
- القسم : شبهات وردود
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
81 - رقم الاستشارة : 2685
13/09/2025
تتكرر أزمات الحجاب على المستوى الرسمي والشخصي، فهل هناك دلالات لتلك الأزمة؟ ولماذا تأخذ قضايا الحجاب حيزًا من النقاش العام؟ وهل لذلك علاقة بقضايا الإسلام الكبرى؟
في العقود الثلاثة الأخيرة تكررت الضجة حول الحجاب في الكثير من المجتمعات المسلمة وغير المسلمة، فلا تمر سنوات قليلة حتى تجد الحجاب حاضرًا في الأخبار والجدل العام وربما في ساحات القضاء والبرلمان.
ليس أزمة عابرة
والحقيقة -أخي الكريم- أن الحجاب ليس أزمة عابرة، ولكنه أزمة ذات وجوه عدة تفرض الانتباه إليها جيدًا، لعل من أهمها:
* أن حضور الإسلام عالميًّا أصبح أكثر من ذي قبل، وبات الإسلام يطرح رؤاه وتشريعاته على المجتمعات المختلفة، من بينها قضية المرأة، ويعد الحجاب أحد أكثر الأشياء رمزية في حضور الإسلام مجتمعيًّا وفي الشأن العام، بسبب الظهور الرمزي الكثيف للحجاب في المجال العام، سواء في الميادين أو أماكن العمل أو التعليم، فالحجاب لم يكن عائقًا أمام المسلمة في التفاعل مع الحياة، وهذا يناقض ما تبثه الإسلاموفوبيا عن الحجاب والإسلام.
* هناك جهود حثيثة لرفع يد الشريعة الإسلامية عن المرأة، ويعد الحجاب أهم معركة، فابتعاد المسلمة عن الحجاب، وتراجع الحجاب كزي شرعي للمرأة المسلمة هو أول وأهم خطوة في استراتيجية رفع يد الشريعة عن المرأة المسلمة، تلك الاستراتيجية التي تمهد لرفع يد الشريعة عن المجتمع المسلم بأسره، وحصر الإسلام في نطاق الالتزام الشخصي الوجداني، على غرار تجارب مسيحية ترفع شعار "كنيستك في قلبك"، أي لا مكان لدينك خارج حدود مكان تعبدك، وتلك رؤية تناقض الإسلام التي تجعل من الأرض كلها مسجدًا وطهورًا.
الحجاب والإسلام السياسي
تذهب دراسات غربية إلى أن الحجاب أصبح ساحة للسياسة، وهناك مساع لإيجاد صلة وثيقة بين الحجاب وما يعرف بالإسلام السياسي في المجتمعات المسلمة.
ففي حالة المجتمعات المسلمة تطل كل فترة قضايا وأخبار تتعلق بالحجاب، والكثير منها يحاول القول بوجود انحسار في الإسلام السياسي وبخاصة بعد إخفاقات الربيع العربي في تحقيق الديمقراطية والعدالة، وبين تراجع الحجاب، وخلع عدد من النساء ومن بينهن نساء شهيرات للحجاب، وتشكيك بعضهن في شرعية الحجاب، والزعم بأن الحجاب يعيق الحياة، وأن الله تعالى لم يفرض الحجاب على المرأة، وقالت إحدى المطربات التي خلعت الحجاب منذ أيام بعد ثماني سنوات من ارتدائه: "لو ربنا عايزنا نغطي شعرنا كان قال يا أيها النساء غطوا شعوركن".
يكشف هذا التصريح عن جهل بالشريعة، لكن ما يعنينا هو أن السياق العام في الكثير من المجتمعات المسلمة أصبح يحتفي أكثر بخلع الحجاب خاصة في الإعلام ويصور خلع بعض النساء للحجاب على أنه ظاهرة وأن الحجاب في انحسار وتراجع، وأن اختفاء الحجاب بات قاب قوسين أو أقل، وأن الحجاب لم يعد رمزًا للصلاح أو الالتزام الديني، ولكنه لا يعدو أن يكون زيًّا عاديًّا يرتبط بأحوال اقتصادية تفرض على المرأة ارتداءه نظرًا لظروف اقتصادية تعيق ارتداء الملابس الأنيقة أو الذهاب لصالات التجميل، وبالتالي تكون المرأة مضطرة للحجاب تحت ضغط الظرف الاقتصادي.
هذه المزاعم السابقة التي تروج في بعض المنابر الإعلامية يؤكد باحثون أنها تصفية حساب مع الإسلام السياسي، وخلق أجواء أنه في مرحلة الأفول، وأن هذا الأفول يقضي أن تنحسر مظاهره وبخاصة في الحجاب.
والحقيقة أن الحجاب، هو المعركة التي يكفل الانتصار فيها الانتصار في المعارك التالية، فالحجاب يأتي في سياق معركة كبيرة هي رفع الشريعة الإسلامية عن المرأة وقضاياها، وجذب المرأة إلى ماكينة الحداثة والعلمنة وانسلاخ الهوية، وبالتالي فإن رفع يد الشريعة عن قضية الحجاب سيتبعه رفع الشريعة عن الزواج والطلاق والميراث وحضانة الأطفال وتربيتهم والعلاقات الجنسية، ودور المرأة في الأسرة.
الحجاب والهوية
الحجاب يشكل أساسًا لكثير من قضايا وأزمات الهوية في المجتمعات العربية، التي زاد فيه عدد المسلمين لاعتبارات متنوعة منها: الهجرات الكثيفة إلى الغرب، والتي تغيرت طبيعتها من الطبقات العمالية والبسطاء إلى هجرات نخبة العالم الإسلامي من العلماء والطلاب والأثرياء والمثقفين ورجال الأعمال.
أضف إلى ذلك أن أزمات العلمنة في المجتمع الغربي والخواء الروحي دفعت البعض من الغربيين إلى اعتناق الإسلام، فمنذ فترة أشار تقرير لصحيفة الجارديان البريطانية إلى أن حوالي خمسة آلاف من البريطانيين يعتنقون الإسلام سنويًّا أغلبهم من النساء.
ومع زيادة عدد المسلمين في أوروبا واقترابه من الخمسة وخمسين مليون مسلم، وهي نسبة معتبرة من سكان أوروبا، هذا أدخل الحجاب في إطار أزمات الهوية، إذ أخذ الحجاب يفرض نفسه كزي ديني، وهذا ربما لا يروق لبعض كبار الساسة الأوروبيين الذين يرون أن أوروبا –رغم علمنتها- ذات هوية مسيحية ويجب أن تظل كذلك، ووجود هذه الكثرة من المسلمين سيعمق أزمات الهوية مع مرور السنوات.
ولذلك تتكرر أزمات الحجاب في مجتمعات مثل فرنسا والتي تناقش قوانين لحظره وهو ما شهدته دول أوروبية أخرى مثل هولندا وبلجيكا والدنمارك والتي حظرت بعض مقاطعاتها الحجاب.