لماذا يتم تشويه الرموز الإسلامية؟

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. مصطفى عاشور
  • القسم : شبهات وردود
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 99
  • رقم الاستشارة : 2392
16/08/2025

هل هدم وتشويه الرموز الإسلامية له تأثيراته السلبية في الإصلاح أم أن القيم تستطيع أن تحمي نفسها بنفسها؟

الإجابة 16/08/2025

في البداية أشكركم -أخي الكريم- على هذا السؤال الذي يكشف بعضًا من عمليات تفريغ الواقع الإسلامي من رموزه التاريخية وقدواته الاجتماعية؛ ففهم تلك المساعي يتيح إمكانية مقاومتها، وفهم أساليبها وإحباط محاولاتها لتصحير الحياة الإسلامية من رموزها الكبار.

 

القدوة ذات أهمية في الإصلاح الاجتماعي والديني، ولا يوجد أي أمة بلا رموز، بل إن الأمة الواعية تحيط رموزها بهالات من التعظيم والتبجيل والاحترام؛ لأنهم يشكلون جزءًا لا يستهان من هويتها، فمثلاً نجد في فرنسا مقبرة العظماء أو "البانثيون"، وهي تحوي رفات من قدموا خدمات جليلة للأمة الفرنسية.

 

نلاحظ في تاريخنا الإسلامي أن محاولات هدم الرموز الإسلامية قديمة، ولعب الاستشراق دورًا في تشويه كل شخصية ذات قيمة في تاريخنا، حتى شخص النبي الكريم ﷺ تعرض للتطاول والتشويه، وحتى آل بيته الكرام تعرضوا للتشويه والاتهام بالنقائص، وليس أدل على ذلك من حديث الإفك واتهام أم المؤمنين عائشة-رضي الله عنها- في عرضها.

 

الاستشراق انتبه لأهمية القدوة والرمز في حياة المسلمين، وسعى لتشويه كبار الصحابة والانتقاص منهم، وكان هذا التشويه من خلال تضخيم بعض الصغائر التي نُسبت إليهم، أو اختلاق الأكاذيب حولهم، أو إعطاء تفسيرات مغايرة لحقيقة الحوادث، أو الاستهانة بجهودهم ومحاسنهم وجميل أفعالهم.

 

ومن هؤلاء المستشرقين "توماس أرنولد" الذي رأي أن بعضًا من كبار الصحابة على رأسهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه قادوا مؤامرة للاستيلاء على الخلافة عقب وفاة النبي ﷺ، ونجد هذا الافتراء كرره المستشرق الألماني "يوليوس فلهاوزن" فيقول: "كان أبو بكر وعمر يعلمان أنها لم يتوليا الخلافة بفضل حق شرعي، بل من طريق الاغتصاب وهما لم يستطيعا أن يسبغا على رياستهما التي كانت غير شرعية في أول الأمر ثوبًا شرعيًّا إلا فيما بعد".

 

ونجد مستشرقًا شهيرًا مثل "كارل بروكلمان" سعى لتحطيم مكانة عمر بن الخطاب-رضي الله عنه- فقد صور عدل الخليفة وخشونة عيشه بأنها نوع من القسوة، وتمادى في أكاذيبه متهمًا الفاروق بالظلم والشدة في جباية الخراج، وأن اغتياله على يد أبو لؤلؤة المجوسي كان بدافع ما تعرض له من ظلم.

 

وكان الخليفة عثمان بن عفان –رضي الله عنه- من أكثر الرموز الإسلامية التي تعرضت للتشويه فقد اتُهم زورًا بالجبن والضعف ومحاباة الأقارب.

 

وقد تكرر إهدار سمعة كبار العلماء والمصلحين والأبطال طوال تاريخنا الإسلامي، لكن المشكلة أن بعضًا من أفراد الأمة المسلمة وطلاب العلم اعتبروا أن تشويه مخالفيهم في الرأي أو المذهب أو الأفكار مدعاة للنيل من مكانتهم ورمزيتهم.

 

ولذا كان كبار العلماء يحذرون من تلك التشويهات لرموز الإسلام بدافع الغيرة والتنافس والحقد، ويرون أن المعاصرة قد تستدعي التشويه، ولذلك نجد إمامًا عظيمًا وهو "الذهبي" يحذر من تصديق تشويه الأقران من العلماء لبعضهم البعض، ويقول: "كلام الأقران بعضهم في بعض لا يُعبأ به، لا سيما إذا لاح لك أنه لعداوة، أو لمذهب، أو لحسد، ما ينجو منه إلا من عصم اللَّه، وما علمت أن عصرًا من الأعصار سلم أهله من ذلك سوى الأنبياء والصديقين، ولو شئت لسردت من ذلك كراريس".

 

وكذلك الإمام تاج الدين السبكي ذلك الفقيه الشافعي والمؤرخ والقاضي، كان يقول:" ينبغي لك أيها المسترشد أن تسلك سبيل الأدب مع الأئمة الماضين، وألا تنظر إلى كلام بعضهم في بعض؛ إلا إذا أتى ببرهان واضح، ثم إن قدرت على التأويل وتحسين الظن فدونك، وإلا فاضرب صفحًا عما جرى بينهم، فإنك لم تُخلق لهذا، فاشتغل بما يعنيك ودع ما لا يعنيك، ولا يزال طالب العلم عندي نبيلاً حتى يخوض فيما جرى بين السلف الماضين، ويقضي لبعضهم على بعض".

الرابط المختصر :