كيف نواجه الإلهاء الإعلامي؟

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. مصطفى عاشور
  • القسم : شبهات وردود
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 226
  • رقم الاستشارة : 2294
06/08/2025

كيف يمكننا مقاومة حالات الإلهاء الإعلامي عن قضايانا الكبرى، حيث تأتي مع قضايانا الكبرى أحداث بعضها مصطنع مسبقًا لتضليل الرأي العام بعيدًا عن القضية الأساسية؟

الإجابة 06/08/2025

يجب أن تدرك أخي الكريم أن تشتيت الرأي العام وانتهاج سياسة الإلهاء الإعلامي وسيلة تلجأ إليها الأنظمة الاستبدادية والسلطوية والاستعمارية عندما ترغب في تمرير بعض القرارات الاستراتيجية التي ستثير جدلاً واختلافًا واحتقانًا، أو للتغطية على فشل وأزمة سياسية، أو تمرير ارتفاع للأسعار، أو لارتكاب سياسات عدوانية ومذابح وانتهاكات بالتزامن مع أحداث عالمية مثل مباريات كأس العالم أو الانتخابات الأمريكية، تلك الأحداث التي تجذب انتباه الرأي العالمي بعيدًا عما يُرتكب من انتهاكات ويُتخذ من قرارات.

 

هذا التشتيت والإلهاء يُنشئ قدرًا من الفوضى الموجهة التي تشبه ستائر الدخان التي تعمي الأبصار عن متابعة ما يجب أن يهتموا به إعلاميًّا وسياسيًّا.

 

تشير الدراسات الإعلامية إلى أن دورة الأخبار محدودة، وقدرة المواطن على متابعة الأخبار تتراجع مع القصة الثالثة التي يعرضها الإعلام، وفي كثير من الأحيان فإن كثافة الأخبار تضعف تأثير بعضها البعض، خاصة إذا أدركنا أن بعض الأخبار لا يمكن فصلها عن التشتت.

 

ولا شك أن بعض الأخبار تشكل أهمية للشخص مثل متابعة كأس العالم لكرة القدم؛ فالأخبار عن مباريات كاس العالم لكرة القدم، ستستقطب اهتمام الكثير من الناس، وهنا يتم استغلالها لتنفيذ سياسات ذات جدل أو اتخاذ قرارات قد تؤدي إلى انقسام وأزمات، ومن ثم يتم تمريرها سريعًا دون ضجيج أو صخب في ظل اتباع استراتيجية الإلهاء والتشتييت.

 

في دراسة صدرت عام 2022م بعنوان "كيف يستخدم قادة العالم وسائل التواصل الاجتماعي خلال الصراعات السياسية" أكدت لجوء الكثير من القادة في العالم للسياسة الخارجية كآلية لتحويل الانتباه عن بعض قضايا الداخل وبخاصة خلال فترات الاضطرابات الاجتماعية، وذلك لتشتيت انتباه الجمهور.

 

وأكدت تلك الدراسة أنه خلال العام 2021م فإن أكثر من 95% من الحكومات في العالم لها حضور على مواقع التواصل الاجتماعي، وإنها تستخدم حضورها في بعض الأحيان لتعبئة الجمهور تجاه قضايا معينة أو في تشتيت انتباهه عن قضايا أخرى، أي أنها تمارس الإلهاء حسب ما تقتضيه مصالحها ورؤيتها.

 

ولكن كيف نقاوم سياسة الإلهاء الإعلامي؟

 

من وسائل مقاومة حالة الإلهاء الإعلامي:

 

* الوعي بسياسة الإلهاء الإعلامي خطوة أساسية لمقاومة ذلك الإلهاء؛ فالتشييت الإعلامي ليس موقفًا عرضيًّا ولكنه استراتيجية لبعض الأنظمة السياسية والقوى العالمية لصرف انتباه الجماهير عن متابعة قضايا معينة أو التفاعل معها؛ فإلإلهاء يؤدي إلى تشتيت الوعي والانقسام وإذكاء روح الخوف والقلق ويدعم اللامبالاة، ويشغب على القضايا الأساسية.

 

* إبطاء وتيرة الأخبار، وتقليل عدد القصص الإخبارية التي من الممكن أن تنافس أو تزيح الخبر والقضية الأساسية عن واجهة الأخبار، ولعل هذا ما قامت به قناة الجزيرة في تغطية الأخبار عن غزة، فتكاد القصص الثلاثة الأولى في النشرات الإخبارية تقتصر على ما يجري في غزة، وربما هذا ما أبقى القضية حية في الرأي العام العربي والعالمي.

 

* ضرورة أن تكون للقصة الإخبارية التي يُراد التركيز عليها جوانب اجتماعية وإنسانية، وذلك لحمايتها من الإلهاء أو التشتيت، تشير دراسة مهمة عن تأثير وعلاقة الإلهاء بمواقع التواصل الاجتماعي وبين عملية المشاركة السياسية، إلى أن الأشخاص لا يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي للأغراض السياسية فحسب، ولكن للترفيه والقضايا الاجتماعية، وفي تلك الحالة فإن جرعات الترفية الزائدة على تلك المواقع قد تصرف الكثير من الناس عن المحتوى السياسي الأكثر جدية.

 

وأشارت الدراسة إلى مسألة أخرى مهمة وهي أن الوفرة المتزايدة للمحتوى في البيئة الإعلامية قد تتسبب في اللامبالاة السياسية؛ إذ تسمح للناس بتجنب الأخبار بشكل انتقائي، وتعريض أنفسهم بشكل انتقائي للترفيه على الإنترنت بشكل رئيسي.

 

لكن الوجه الآخر لتلك الملاحظة هو أن وسائل التواصل الاجتماعي محرك أساسي لنجاح أي حركات اجتماعية في الواقع؛ نظرا لأنها تستخدم الكثير من الإمكانات التي يوفرها الوسيط الرقمي من قراءة ومشاهدة وتفاعل، وهو ما يتيح حفر مسارات إعلامية بديلة تواجه التشتت والإلهاء الإعلامي الموجه.

 

* امتلاك القدرة على التفكير النقدي أمام هذا التدفق الإعلامي، ومن خلال تنويع المصادر الإخبارية وعدم الاقتصار على وسيلة إعلامية واحدة لمتابعة ما يجري، وعدم الاعتماد فقط على وسائل الإعلام الرئيسية أو الرسمية؛ لأن تلك الوسائل تكون أكثر خضوعًا للإملاءات السياسية.

 

* امتلاك اليقظة والقدرة على فرز الأخبار ومساءلتها عن صحتها مع الاهتمام بالخلفيات المنشورة مع الخبر؛ لأنها جزء لا يتجزأ من الخبر نفسه. ومن اليقظة أيضًا عدم الوقوع في فخ متابعة الأخبار الكثيرة أو ذات الإلحاح؛ لأن تلك الأخبار والأحداث تكون في الغالب موجهة بهدف التشتييت والإلهاء والشغب على الخبر الرئيسي والمهم؛ فالمشتتات مصممة لمنعنا من معالجة القضايا الجوهرية التي تؤثر على حياتنا ومجتمعاتنا.

الرابط المختصر :