هل الإيمان بالله فطري؟

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. مصطفى عاشور
  • القسم : شبهات وردود
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 174
  • رقم الاستشارة : 2243
01/08/2025

هل هناك اتجاه علمي في الفكر المعاصر يؤمن بأن الدين فطري في الإنسان وأن الاعتقاد متجذر في الذات الإنسانية، أم أن التوهم ما زال موجودا بأن الدين منتج بشري ثقافي؟

الإجابة 01/08/2025

أخي الكريم، سؤالكم يكشف عن مسألة إنسانية كبرى، فهو يكشف عن طبيعة الإنسان وحاجته إلى الاعتقاد والإيمان بالخالق سبحانه وتعالى؛ فالإلحاد كما تشير دراسات غربية هو أقرب إلى المرض النفسي، وقديمًا قال المؤرخ اليوناني "بلوتارخ" المتوفى (120م): "ربما تجد مُدنًا بلا أسوار، بلا قصور، بلا مسارح، بلا آداب، بلا ملوك؛ ولكنّك لا تجد مُدُنًا بلا معابد"، هذا المؤرخ القديم كان من معارضي المادية والإلحاد ويؤمن بوجود رب لهذا الكون، وأن هذا الرب فوق هذا العالم المحدود، كما كان مؤمنًا بأبدية الروح ومدافعًا عن حرية الإرادة الإنسانية.

 

وحديثًا أصدر عالم النفس والبروفيسور بجامعة أكسفورد "جستون باريت" دراسة بعنوان "فطرية الإيمان" Born Believers تضمنت إجابات عن أسئلة في العقيدة بين أم إنجليزية ملحدة وبين طفلها ذي الخمسة أعوام، فرغم أن الأم صرخت بصوت عال بإلحادها، فإن هذا الطفل أجاب عن الأسئلة الخاصة بالخالق سبحانه وتعالى بصورة مدهشة نافيًا عدم وجوده ونافيًا موته.

 

في دراسة "باريت" المدهشة أشار إلى مجموعة حقائق تستدعي الانتباه من الفكر الإسلامي لأهميتها، منها:

 

- أن البشر يولدون بقدرات معرفية تُولّد لديهم إيمانًا طبيعيًّا بالله.

 

- يؤكد "باريت" أن الأطفال الصغار يميلون إلى البحث عن الغرض من الأحداث، ويعتقدون أن الأشياء موجهة نحو غاية ما.

 

- يؤكد "باريت" أن الأطفال الصغار يدركون حدود قدرات البشر وأن هناك أشياء حولهم لم يصنعها البشر؛ فالبشر يصنعون الأدوات، لكنهم لا "يصنعون" أو يخلقون أشياء طبيعية كالأشجار أو الجبال.

 

- يؤكد "باريت" أن الأطفال يدركون أن الحقائق الأخلاقية موضوعية، وليست من صنع أهواء الأم أو التوقعات الثقافية في المجتمع.

 

- أشار "باريت" كذلك إلى ملاحظة مهمة وهي مأزق الآباء الملحدين عند الحديث مع أطفالهم في الشأن الاعتقادي الخاص بوجود الخالق سبحانه وتعالى، فهناك إيمان واضح وعميق بالله في حديث هؤلاء الصغار.

 

وفي دراسة أخرى أجريت في جامعة "أكسفورد" قبل أكثر من عشر سنوات وتكلفت (1.9) مليون جنيه إسترليني، وشارك فيها (57) باحثًا وأكاديميًّا من (20) دولة وأنجزوا (40) دراسة، وكان سؤالها الأساسي هل الإيمان بالخالق سبحانه وتعالى أمر مكتسب وجزء من الطبيعة البشرية، أم أفكار مكتسبة من البيئة؟ يقول مدير المشروع البروفيسور "روجر تريغ":" لقد جمعنا مجموعة من الأدلة تشير إلى أن الدين هو حقيقة مشتركة للطبيعة البشرية في مختلف المجتمعات، وأن محاولات قمع الدين من المرجح أن تكون قصيرة الأجل، لأن الفكر البشري يبدو متجذرًا فيه المفاهيم الدينية".

 

وفي كتاب "الدين في التطور البشري" Religion in Human Evolution تأليف عالم الاجتماع البلجيكي "روبرت ن. بيلاه"، وفيه يدرس الدين منذ العصر الحجري حتى العصر الحديث، ذكر أن الدين جانبٌ مُكوّنٌ للحالة الإنسانية، فهو ظاهرةٌ "طبيعية" تطورت عبر التاريخ، وأن البعد الاعتقادي الديني هو بعد محوري في الإدراك البشري.

 

دماغ الإنسان وأعصابه تستجيب مع فطرية الاعتقاد بوجود الله، هو ما أكدته أبحاث عالم الأعصاب "أندرو نيوبيرغ" في تجاربه عن العلاقة بين الدماغ والتجربة الدينية، وأثبت ذلك في كتابه "كيف يُغيّر الله دماغك" How God Changes Your Brain فقال: "إذا تأملتَ الله طويلًا بما يكفي، يحدث أمرٌ مُفاجئ في الدماغ، يبدأ الأداء العصبي بالتغير، تُنشّط دوائر عصبية مختلفة، بينما تُخمد أخرى، وإذا كان لله معنى بالنسبة لك، فإنه يُصبح حقيقيًّا من الناحية العصبية".

 

أخيرًا -أخي الكريم- فإن قائمة الأبحاث الحديثة التي تؤكد فطرية الإيمان بالله سبحانه وتعالى، لا تتوقف ولا تنتهي؛ لأن الإيمان بالله مركوز في الفطرة الإنسانية.

الرابط المختصر :